كانت فاطمة خارجت البلاد حينها، وسارعت بالعودة إلى المنزل لرؤيته. أخبرها حينها أنه يحلم برؤيتها متزوجة قريبًا.
أرادت فاطمة الرفض. لكنها تذكرت أن جدها تبناها من دار الأيتام، ورباها حتى أصبحت الشخص الذي هي عليه اليوم. لذلك، لم يكن تستطع تخييب أمله.
ولهذا، تزوجت رجلًا اختاره جدها لها دون أن تلقاه.
لم يحضر العريس يوم زفافهما. أتم شخص آخر إجراءات توثيق الزواج.
لم تتاح لها الفرصة لتتعرف على زوجها. عرفت فقط اسمه وأنه رجل أعمال.
وحتى هذا اليوم، لم تكن فاطمة متأكدة أنها اتخذت القرار الصحيح. فزوجها الذي لا تعرفه لم يُظهر لها أي أسباب لتحبه.
نظرت إلى ساعتها للمرة المئة تقريبًا. مضت عشر دقائق أخرى.
تنهدت فاطمة بضيق. عندما أخرجت هاتفها لتتصل بجدها، سمعت صوت فرامل حادة كاد يثقب أذنيها.
توقفت سيارة أستون مارتن فضية أمامها مصدرةً صوت صرير. انخفضت نافذة مقعد السائق.
خطت فاطمة خطوة إلى الوراء. بمجرد أن رأت الوجه المألوف أمامها، صاحت بصوتٍ عالٍ: "لمَ أنت هنا؟"
جلس خلف المقود آخر شخص توقعت أن تراه الآن، ابن عمها، محمد الغامدي.
قال محمد: "آه! هذا مؤلم". بينما أمسك صدره كمن يتألم حقًا. عبس بمجرد خروجه من السيارة. ثم قال: "إن عودتك مهمة للغاية. لم نرَ بعضنا منذ فترة طويلة. بصفتي ابن عمك، أردت المجيء لاصطحابك. لمَ تقسين علي هكذا؟ هذا ليس عادلاً!"
لم تندهش أو تنخدع فاطمة بتمثيله السيئ.
اشاحت بعينيها وأطلقت تنهيدة استياء، رافضةً التحدث.
"اركبي السيارة يا فاطمة. فلا بد أنكِ متعبة وجائعة. سأصطحبك لتناول الغداء." أمسك محمد حقيبتها بيدٍ واحدة، ثم وضع يده الأخرى على كتفها ودفعها نحو السيارة.
قالت فاطمة محاولةً إيقافه: "انتظر! لا أستطيع مرافقتك" قالت فاطمة محاولةً إيقافه.
"لمَ؟" توقف محمد ليسألها. ضحك عندما أدرك السبب بعد برهة. سألها: "أبسبب زوجك؟ أما زلتِ تريدين انتظاره؟"
لم تنطق فاطمة بكلمة، لكن باحت نظراتها بكل شيء.
تذمر محمد قائلًا: "ليس عليكِ انتظاره. أم علي تذكيرك بأنه لم يتصل بكِ منذ زواجكما؟ أليس هذا كافيًا لتدركين الحقيقة؟"
عجزت فاطمة عن الكلام.
"إن أراد حقًا اصطحابك، كان سيسبقني إلى هنا". كيف تستطيعين الثقة برجلٍ تجاهل وجودك لمدة عام؟" تابع محمد بنبرة ساخرةً أكثر.
أردكت فاطمة حقيقة ما قاله، لكنها ردت محاولةً الدفاع عنه: "لكن قال جدي أن سعيد سيأتي لاصطحابي".
ظنت أن سعيد سيفي بوعده لأنه وعد جدها.
وضع محمد يده على جبهته وتنهد بلا حول ولا قوة. ثم قال: "إن كنتِ ما زلتِ ترغبين في انتظاره، ليس عليكِ الوقوف تحت أشعة الشمس على الأقل. اجلسي في السيارة. فالجو حار في الخارج".
وأثناء جدالهما، ظهر شخص طويل القامة بين الحشد متجهًا نحوهما.
كان حمد الحربي يتحدث في الهاتف. "أنا في المطار. تناولي دوائك الآن.".
قال صوت أنثوي ناعم من الطرف الآخر: "تذكر أن إيلا ترتدي فستانًا أحمر اليوم. وشعرها طويل ومجعد. ومعها حقيبة سوداء..."
قاطعها قائلًا: "لقد رأيتها بالفعل يا جدتي. من فضلك توقفي عن القلق الآن". حدق حمد بالثنائي على بعد أمتار قليلة. ثم عبس.
إذ كانت المرأة تلائم وصف جدته، بما في ذلك لون حقيبتها.
لكنها ركبت سيارة رجل آخر بينما كان يمسك الباب لها.
أصبحت نبرة حمد باردةً فجاة. وقال: "يجب أن أذهب الآن يا جدتي. سأتحدث معكِ لاحقًا".
عبست ملامح وجه حمد. وفي الوقت نفسه، سيطر البرود على عينيه العميقتين.
وضع هاتفه في جيبه، ثم استدار ليغادر.
شدد حمد قبضته على عجلة القيادة بينما كان يراقب الشخصين في السيارة الرياضية.
أعطى الرجل المرأة زجاجة ماء. ومسح على شعرها بحنان بينما كانت تشرب منها. لم يستطع حمد رؤية وجهها، لكن لم يشكل ذلك فارقًا له.
وشعر كأنه يغلي من الداخل.
بدأ في الضحك على حاله فجأةً.
لمَ تفاجأ؟ كان عليه معرفة ذلك منذ وقت طويل.
فزوجته المزعومة كانت بعيدة عن المدينة لعامٍ كامل بعد زواجهما. لم يتقابلا أبدًا أو يتعرفا على بعضهما عبر الهاتف حتى. كان من المنطقي ارتباطها بشخصٍ آخر
زم حمد شفتيه بإحكام. ثم أخرج هاتفه ليكتب رسالة.
وبمجرد أن ضغط على زر الإرسال، انطلق بسيارته بسرعة جنونية.
————
لاحقًا، في ظهر اليوم ذاته، ارتدت فاطمة بدلة عمل بسيطة وأنيقة ذات لون فاتح وذهبت إلى مجموعة الرخاء.
كانت مجموعة الرخاء إحدى الشركات الرائدة في سيمارش. وعُد موظفوها من نخبة المدينة.
دخلت فاطمة المبنى الفخم الذي يضم مقر المجموعة. بفضل سيرتها الذاتية الممتازة، استطاعت الحصول على وظيفة خبيرة العلاقات العامة الشخصية للرئيس التنفيذي، حمد.
قادتها مديرة قسم العلاقات العامة، عائشة الزهراني، لمقابلة حمد.
ولم تدرك فاطمة أن الرجل الذي ستعمل لديه هو في الواقع زوجها، سعيد.
لم يكن حمد يثق بالناس على الإطلاق. وقع زواجه فقط باسمه الحقيقي. عرف فقط المقربون منه اسمه الحقيقي، سعيد الحربي.